هل يمكنك تصور ماكينة تعمل بذاتها ولا تتوقف عن الدوران أبداً؟
هذا الحلم بدأ منذ عصر الفراعنة وظل مثار جدل بين العلماء والفلاسفة حتى يومنا هذا .. وخلال الأربعة آلاف عام الماضية ظهرت ادعاءات كثيرة بخصوص اختراع آلة تعمل بنفسها للأبد، وتنتج طاقة مجانية (بدل حاجتها هي للطاقة)..
وكنتُ شخصيا قد قرأت وتعلقت بهذا الحلم مبكرا قبل أن أدرك استحالته من الناحية الفيزيائية .. ومازلت أملك حتى اليوم تصاميم و”خربشات” صبيانية لآله تدور من تلقاء ذاتها تعتمد على المغانط الطبيعية وانتقال الماء في دلاء صغيرة.. وذات يوم تقدمت خطوة أكبر واشتريت محركا كهربائيا صغيرا وشبكته بترسين (الأول) يرفع ثقلا حديديا (والثاني) يدير مولدا كهربائيا (يعود لتغذية) المحرك الأول فيستمران بالحركة على الدوام .. وللوهلة الأولى قد تبدو الفكرة ناجحة ولكن حين نفذتها فعليا أدركت بسرعة أنها فكرة “تعبانة” كون رفع الثقل الحديدي يخفض سرعة المحرك الذي يرفعه عن الأرض.. وحين تنخفض سرعة المحرك تنخفض سرعة المولد الكهربائي (المشبوك معه) فينتج قدرا متناقصا من الطاقة المغذية … حتى يتوقف الاثنان تماما!!
على أي حال…
لا يفترض بك معرفة التفاصيل الميكانيكية بقدر استحالة وجود آلة تدور بنفسها دون أن تتوقف في النهاية.. وهناك أسباب كثيرة وراء هذه الاستحالة أهمها أن فرق الشغل وعوامل الاحتكاك والتحول الى شكل مختلف من الطاقة (كالحرارة والضوء والإشعاع) يخفض من قدرة أي آلة على الدوران ، مالم يتم تزويدها بمصدر خارجي للطاقة،.. فمحرك البنزين في سيارتك مثلا تضيع 75% من طاقته على شكل احتكاك وحرارة تُفقد في الجو (وبالتالي لا تستفيد أنت فعلا إلا من 25% من البنزين الذي دفعت ثمنه) .
ورغم المحاولات المستمرة لتحسين كفاءة المحركات إلا أن الشركات المنتجة لا تحلم برفع كفاءتها لأكثر من 50% (وأقصى نجاح أعرفه توصلت إليه شركة مرسيدس حين رفعت كفاءة محركات الديزل لديها الى 42% ) .. وبناء عليه تصور حجم المبالغة في اختراع آلة تصل كفاءتها إلى (100%) ناهيك عن انتاج طاقة اضافية للتغلب على عوامل الاحتكاك والحرارة المهدرة بحيث تتحرك الى الأبد !!
وكان ابن سينا قد أدرك استحالة هذا الحلم حين قال قبل ألف عام “لا يجوز أن يكون في أي جسم قوة طبيعية تحركه بلا نهاية”.. وبعده بأربعة قرون كتب العبقري الايطالي ليوناردو ديفنشي “أيها الحالمون بدوام الحركة توقفوا عن جهلكم قبل أن تنضموا الى الحالمين بتحويل التراب إلى ذهب”..
غير أن دافنشي تجاهل حقيقة مهمة وهي أن من يسعون لابتكار هذه الآلة ليسوا جاهلين بمبادئ الفيزياء وقوانين الحركة (بل قد يكونون أعلم الناس بها) ؛ غير أن جاذبية الحلم وسخاء الفكرة يتغلبان أحياناً على أي مفاهيم علمية راسخة ، وسرعان ما يقنعون أنفسهم بإمكانية كسرها وتحقيق واحد من أقدم المستحيلات العلمية..
ولأنني شخصياً لم أعد أؤمن بوجود شيء يتحرك من تلقاء ذاته (ولا حتى كون الله العظيم) أصبحت على قناعة بأن “المستحيلات” هي في الحقيقة أربعة وليست ثلاثة:
الغول، والعنقاء، والخلّ الوفي، وعجلة تدور من تلقاء نفسها !!


;

هل استفدت؟ كن إيجابي و شارك المحتوي